بقلم: أمل صقر
مؤسسة مصريين بلا حدود للتنمية
تتصدر مصر العالم من حيث نسبة الولادة القيصرية، والتي بلغت حوالي 72% من إجمالي عدد الولادات، وهو معدل مرتفع جداً مقارنة بالتوصيات العالمية التي تشير إلى أن نسبة الولادة القيصرية يجب ألا تتجاوز 15% من إجمالي الولادات. هذا الرقم المقلق يجعل مصر في المرتبة الأولى عالمياً في هذا المجال.
ومنذ عام 2000، ارتفعت نسبة الولادة القيصرية في مصر تدريجياً، طبقا لنتائج المسح السكاني سنة 2000 كانت النسبة 10%، وفى عام 2008 أصبحت 27.6%، أما عام2014 فصارت 51.8 %، قبل أن تقفز إلى 72% في السنوات الأخيرة. جدير بالذكر أن هناك مضاعفات صحية للأمهات وللمواليد بسبب العمليات القيصرية مثل زيادة وقت التعافي، احتمالات العدوى، فضلا عن مخاطر نفسية وجسدية متعددة.
هناك عدة عوامل ساهمت في هذا الارتفاع، منها ضعف الوعي المجتمعي بأن الولادة الطبيعية أفضل صحياً، بالإضافة إلى تفضيل بعض السيدات للولادة القيصرية بدافع التسهيل أو الخوف من الألم، كذلك غياب الرقابة على المنشآت الطبية الخاصة، بالإضافة إلى الممارسات الطبية التي قد تميل إلى الولادة القيصرية لأسباب إدارية أو تجارية.
في29 أغسطس 2025، أطلقت وزارة الصحة والسكان المصرية حزمة إجراءات تنظيمية ملزمة لجميع المنشآت الطبية، خاصة الخاصة، في محاولة لمواجهة التداعيات الصحية والمجتمعية المرتبطة بالارتفاع الكبير في أعداد العمليات القيصرية. كان من بين هذه الإجراءات إلزام المستشفيات بتقديم تقارير شهرية مفصلة عن نسبة الولادات القيصرية وتصنيفها وفق نظام “روبسون” الطبي العالمي، وهو نظام يحدد الحالات التي تحتاج فعلاً إلى الولادة القيصرية من غيرها. وتطبيق أداة “البارتوجرام” لمراقبة تقدم المخاض بشكل دقيق، مع توثيق إلكتروني للبيانات، وتحميل مديريات الصحة مسؤولية الإشراف والمتابعة.
تلك الإجراءات جيدة في مجملها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيطغى قرار خفض عدد حالات الولادة القيصرية الهادف لتحقيق التوازن المطلوب بين معدلات الولادة القيصرية والطبيعية على حق النساء في اختيار طريقة الولادة التي يفضلنها؟
يعكس هذا السؤال التوتر القائم بين السياسات الصحية الرامية إلى تقليل الولادات القيصرية غير الضرورية وضرورة احترام حقوق النساء في اتخاذ قراراتهن بشأن نوع الولادة. وهنا، من المهم التأكيد على أن السياسات الطبية المتبعة لن تُقيد حق النساء في الاختيار، بل تهدف إلى دعمه بشكل متوازن، سيتحقق ذلك بضمان حقهن في المعرفة والموافقة المستنيرة، فكثير من النساء يلجأن للولادة القيصرية اعتقاداً منهن أنها ستجنبهن الألم، ولكن في الواقع هناك خيارات للولادة الطبيعية بدون ألم بفضل التقدم الطبي الحديث، فضلا عن الفوائد الصحية الكبيرة للأم والطفل. لذلك، يتطلب الأمر توعية مجتمعية فعالة تكون جزءاً من خطة شاملة لتحسين خدمات متابعة الحمل والولادة في مصر. فارتفاع الولادات القيصرية يعكس مشكلة أعمق تتعلق بجودة الخدمات الصحية المقدمة للحوامل، بما في ذلك متابعة الحمل والرعاية الصحية الشاملة، إضافة إلى توسيع برامج التوعية والتثقيف الصحي.
ومن الضروري زيادة الإنفاق على قطاع الصحة والالتزام بتحقيق الحد الأدنى الدستوري له، مع إعطاء أولوية كبيرة للصحة الجنسية والإنجابية ومتابعة الحمل والولادة. يجب أن تشمل الخطة أيضا تدريبًا شاملاً للأطباء على ممارسات الولادة الطبيعية الصحيحة، وتقييم الحالات بشكل دقيق لاختيار الطريقة الأنسب لكل حالة. كما ينبغي أن تغطي الخطة القطاعين العام والأهلي، بالتعاون مع المختصين، نقابة الأطباء، جمعيات الأطباء المتخصصة، كليات الطب، ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرضى، لا سيما النساء.
وفي النهاية، نؤكد على أهمية حماية حقوق النساء أثناء العمليات الطبية، بما يشمل حفظ صحتهن وكرامتهن وخصوصيتهن. ففي ظل الاختلافات في طرق الولادة وتحدياتها، يجب أن تحظى النساء ببيئة آمنة ومحترمة تمكنهن من اتخاذ قرارات واعية ومدروسة بشأن نوع الولادة، بما يعزز من تجربتهن الصحية والنفسية.